صدر هذا الكتاب آليا بواسطة الموسوعة الشاملة
الكتاب : الدعوة إلى الله فضلها وثمراتها للشيخ صالح
- - - - - - - - - - -
الدعوة إلى الله
فضلها وثمراتها
لفضيلة الشيخ
صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
[شرط مفرغ](
- - - - - - - - - - - -
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد
لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يهدون ويرشدون
ويدعون إلى الله جل وعلا، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون به أهل العمى،
فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من تائه ضال قد هدوه، فما أحسن أثرهم عل
الناس، وما أسوأ أثر الناس عليهم، ينفون عن دين الله تحريف الغالين
وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرا.
أما
بعد: فأسأل الله جل وعلا أن يجعلني وإياكم ممن سخرهم لنشر دين الله جل
جلاله ولرفع راية الإسلام ولتكثير الخير ولتقليل الشر، إنه سبحانه أكرم
مسؤول كما أسأله جل وعلا أن يوفقنا جميعا إلى التعاون على البر والتقوى،
وأن يجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر نستن بسنة محمد صَلَّى الله عليه
وسلم، ونتعاون على نشرها، وندعوا الناس إلى الله جل وعلا دعوة خالصة من
الشبهات والشهوات.
موضوع هذه المحاضرة:
الدعوة إلى الله جل وعلا فضلها وثمراتها.
(1/1)
--------------------------------------------------------------------------------
ولاشك
أن من اختار هذا الموضوع أحسّ بعظم شأن الدعوة إلى الله في الكتاب وفي
السنة، وأحسّ بعظم حاجة الناس إليها في هذا الزمان بالخصوص صغارا وكبارا
ذكورا وإناثا خاصا وعاما في هذا البلد بخصوصه وفي بلاد الله بعمومها، وذلك
أنَّ الله جل وعلا ابتلى الناس، لم يخلقهم ليكون الهدى والخير غالبا دائما
أو ليكون الشر والفُحش مهزوما دائما؛ بل المسألة اقتضت حكمة الله جل وعلا
أن يكون فيها جذب تارة وتارة، وذلك لحكم عظيمة ومن أعظمها أن يبتلي الله
جل وعلا الناس ليعلم الصادقين منهم والمجاهدين وليبلو أخبارهم سبحانه
وتعالى قال جل وعلا ?الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ
لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا?[الملك:2]، وقال جل وعلا
?وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنْ الْمُجْرِمِينَ
وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا?[الفرقان:31] وقال جل وعلا
?وَكَانَ فِي المَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ
يُصْلِحُونَ?[النمل:48]، وقال أيضا جل وعلا ?إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي
الأَرْضِ?[القصص:4]، وهذا أمثاله كثير في القرآن ليبين أنه جل وعلا أذِنَ
كونا بان يكون في الأرض شر وأن يكون في الأرض بعد عن الله جل وعلا ليحتاج
الناس إلى الدعوة إلى الله جل وعلا ليحتاج الناس إلى الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر ليحتاج الناس إلى الجهاد؛ جهاد النفس وجهاد الشبهات
وجهاد الشهوات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وهذا إذا عُلم عُلِم
أنّ الابتلاء إذا احتاج الناس إلى مزيد من الدعوة وإلى مزيدٍ من نشر الخير
الابتلاء حينئذ يكون أعظم فيمن كان له قدرة على البيان وعلى نشر الخير
وعلى التعاون عليه.
فالدعوة إلى الله جل وعلا مأمور بها في القرآن
ومأمور بها في السنة ليتحقق التدافع الذي جعله الله جل وعلا سمة للمكلفين،
يدفع الخيرُ الشرَّ فتعظم الأجور ويظهر الصادق من غيره، وتعظم الحسنات
وتُكَفَّر السيئات.
(1/2)
--------------------------------------------------------------------------------
الدعوة
إلى الله جل وعلا جاءت في النصوص بهذا الاسم: الدعوة إلى الله، قال جل
وعلا ?قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا
وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ
الْمُشْرِكِينَ?[يوسف:108]وقال جل وعلا في وصف نبيه الكريم عليه الصلاة
والسلام ?وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا
مُنِيرًا?[الأحزاب:46]، وقال عليه الصلاة والسلام «العلماء ورثة الأنبياء
فإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ
بحض وافر»، والعلماء ورثوا الأنبياء في العلم وفي العمل، وإذا كان
الأنبياء أمروا بالدعوة في كل حال لتبليغ رسالة الله جل وعلا فإن العلماء
في مكانهم في نشر دين الله جل وعلا وتعليم الناس الخير، وقال جل وعلا في
وصف عيسى عليه السلام ?وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ
وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا?[مريم:31]، قال
العلماء من المفسرين (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا) أي جعلني معلما للناس الخير
أينما كنت، وهذه هي حقيقة البركة التي يَعظم أثرها وتنتشر في الناس البركة
زيادة الخير ونماؤه، وزيادة الخير ونماؤه لا يكون إلا بالدعوة إلا
بالتعليم إلا بفتح أبواب الخير.
ولهذا نرى أنه في القرآن وفي سنة النبي
صَلَّى الله عليه وسلم ذُكر هذا اللفظ (الدعوة إلى الله) ومعنى ذلك الدعوة
إلى دين الله جل وعلا.
(1/3)
--------------------------------------------------------------------------------
وحقيقة
الدعوة في اللغة: أنه طلب للذهاب إلى شيء، دعا فلان فلانا إلى مأدبة؛ يعني
طلب منه أن يذهب أو أن يأتي هذه المأدبة، دعاه إلى القتال يعني طلب منه أن
يمضي إلى القتال، دعاه إلى سفر يعني طلب منه ذلك؛ فمعنى -إذن- دعا إلى
الله يعني طلب الناس أن يسيروا إلى الله جل وعلا بطاعة أمره واجتناب نهيه
وتحقيق الإخلاص له جل وعلا، دعاهم إلى أن يفروا إلى الله جل وعلا
?فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ
مُبِينٌ?[الذاريات:50]، وهذا في الحقيقة تحقيق للغرض من النجاة من
الابتلاء؛ لأن الناس ابتلوا بهذه الحياة، ومن ينجو في هذا الابتلاء؟ هو من
يطيع الله جل وعلا ويطيع رسوله صَلَّى الله عليه وسلم، يطيعهم بتصديق
الأخبار الغيبية وامتثال الأوامر الشرعية والانتهاء عن المناهي، فمن صدَّق
بالخبر وأطاع الأمر وانتهى عن النهي فقد أجاب الله جل وعلا بدعوته، ومن
خلط بين هذا وهذا فقد خلط، ومن دعا إلى تصديق الأخبار وهي العقيدة
وبامتثال الأمر واجتناب النهي فقد دعا إلى الله جل وعلا.
(1/4)
--------------------------------------------------------------------------------
فإذن
حقيقة الدعوة إلى الله هي طلب الداعي أن يمتثل الناس ما أمر الله جل وعلا
به، أو أن يصدقوا ويؤمنوا ما أخبر الله جل وعلا به، فهذه هي حقيقة الدعوة،
ولهذا نرى أنَّ الدعوة تكون في جميع أمور الدين ليست الدعوة في باب دون
باب، وهذا يتَّضح من الأمر العام الذي في النصوص والفضل العام الذي جاء في
الدعوة إلى الله جل وعلا، قال سبحانه ?قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى
اللَّهِ?[يوسف:108]وقال ?وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ?[الأحزاب:46]،
وقال جل وعلا ?إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ
هَادٍ?[الرعد:7]قال جل وعلا ?وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلىَ
النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ?[غافر:41]، وقال عليه الصلاة
والسلام لعلي «أنفذ على رسلك وادعهم إلى الإسلام فوالله لأن يهدي الله بك
رجلا واحدا خير لك من حمر النعم» وهذا وغيره يدل على أن الدعوة إلى الله
معناها الدعوة إلى عموم الدين، فحينئذ:
من دعا إلى العقيدة وإلى إخلاص
الدين لله وإلى توحيد الله جل وعلا والبراءة من الشرك والبعد عن مظاهره
وعن موبقاته فقد دعا إلى الله جل وعلا.
من رد الشبهات في التوحيد والعقيدة فقد دعا إلى الله جل وعلا.
من
دعا إلى امتثال الفرائض والإتيان بها الصلاة والزكاة والصيام والحج وبر
الوالدين والصدق في الحديث وأداء الأمانة وإيفاء الوعد وصدق العهد ونحو
ذلك فقد دعا إلى الله جل وعلا.
ومن دعت إلى إصلاح الباطن بإصلاح
السريرة والخوف من الجليل جل وعلا، وإصلاح أعمال القلوب بإقامة القلب على
حب الله جل وعلا وحسن التوكل عليه والإنابة إليه والإقبال عليه والأنس به
جل وعلا والهرب من غيره إليه فقد دعا إلى الله جل وعلا.
ومن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فقد دعا.
ومن جاهد في سبيل الله فقد دعا.
(1/5)
--------------------------------------------------------------------------------
وهذا
يعني أن الدعوة إلى الله جل وعلا غير مختصة بباب دون باب قد قال شيخ
الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كلام له حسن قال: إن الدعوة إلى الله جل
وعلا تتنوع من حيث الوجوب ومن حيث الوقوع، فمنهم من يدعو إلى العقيدة،
ومنهم من يدعو إلى العمل الظاهر، ومنهم من يدعو إلى العمل الباطن، فهي
تتنوع من حيث الوجوب ومن حيث الوقوع.
وإذا تبين ذلك فإن الدعوة إلى
الله جل وعلا بمعنى طلب انتشار دين الله وأن يؤمن الناس بالقرآن والسنة
وبهذا الدين وأن يلتزموا يتلك الأوامر وأن يجتنبوا تلك النواهي، هذا واجب؛
لأن الله جل وعلا أمر به وما أمر الله جل وعلا به فالأصل فيه الوجوب، قال
جل وعلا ?وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ
وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ
هُمْ الْمُفْلِحُونَ ?[آل عمران:104]، وقال جل وعلا ? وَالْمُؤْمِنُونَ
وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ?[التوبة:71]، قوله جل وعلا
هنا (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ) قال البغوي وغيره من أهل العلم: اللام
هنا للأمر فمعنى (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ) يعني أن الله يأمر عباده
أن يكون منهم أمة يدعون إلى الخير وأن يكون منهم أمة يأمرون بالمعروف
وينهون عن المنكر، وهذا يعني أن الوجوب وجوب كفائي على مجموع الأمة فإن
قام به من يسدّ الحاجة أمتثل الواجب وإلا فإنه يأثم من يقدر على الدعوة
ولا يدعو.
هذا الوجوب الكفائي إذا نظرنا إليه مع كثرة فروع الدين بل مع
كثرة ما يُطلب في دين الله جل وعلا أن يدعى إليه وجدنا أنه لا يمكن أن
يقوم بالدعوة إلى الله جل وعلا على كمالها واحد في كل باب، أو عشرة في كل
باب، أو مائة في كل باب، هذا غير متيسر إلا لمن كان إماما في الدين وتلك
رتبة عظيمة لا يبلغها إلا الأفراد في القرون.
(1/6)
--------------------------------------------------------------------------------
وإذا
كان كذلك فإن أهل العلم يدور كلامهم على أن الدعوة إلى الله جل وعلا بحسب
الاستطاعة، فمن كان عنده علم بتوحيد الله جل وعلا فنشره فإنه معلم للخير
وداعٍ إلى الله جل وعلا، ومن كان عنده علم بالفقه فنشره فإنه معلم للخير
وداعٍ إلى الله جل وعلا، ومن كان آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر فهو أيضا
داع إلى الله جل وعلا، ومن كان يرقق القلوب لتقبل على الله جل وعلا فهو
داع إلى الله جل وعلا، ومن كان يأخذ بالوسائل المفيدة ليستفيد غيره منها
فإنه أيضا يدخل في سلك من يدعو إلى الله جل وعلا وفي فضل ذلك، ولهذا صح
عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال «نضر الله أمرؤا سمع مقالتي فوعاها
فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع» يعني دعا النبي صَلَّى الله عليه
وسلم لهذا الذي سمع ولم يفقه تمام الفقه لكنه بلغ كما سمع دعا له بأن ينضر
الله وجهه ومعنى (نضر الله وجه امرئ سمع مقالتي ) وفي اللفظ الآخر (نضر
الله أمرؤا) بدون وجه (نضر الله أمرؤا)، (نضر الله وجه امرئ) هذا معناه
الدعاء له بأن يزين الله وجهه يوم القيامة وأن يبعث فيه النور في الدنيا،
(نضر الله وجه امرئ) يعني زين الله ونوّر وجه امرئ سمع فأدى، فإذا كان هذا
الفضل فيمن سمع فأدى وهو ليس بعالم فيما سمع وفيما أدى، فكيف بفضل من وعى
بعده تلك المقالة، فعمل بها وعلمها لاشك أن فضله عظيم.
(1/7)
--------------------------------------------------------------------------------
وهذا
يدلك على أن هذا الوجوب الكفائي للدعوة إلى الله جل وعلا لا يختص بفئة دون
فئة -يعني من أهل العلم أو من عامة المسلمين-؛ بل هو مرتبط بمن علم لهذا
في الحديث (سمع مقالتي فوعاها فبلغها) ومعنى (سمع فوعى) أنه يكون علم شيئا
من دين الله فوعاه بدليله واتضح له بحجته فحينئذ إذا نقل ودعا إلى هذا
الذي سمعه ووعاه فإنه حينئذ يحظى بهذا الفضل العظيم، وهذا مما ترى أنه لا
يمكن خاصة في هذا الزمان لا يمكن أن يحصل انتشار للدعوة وانتشار للخير إلا
بهذا التعاون، إذا كان واحد أو اثنان أو ثلاثة يقولون: سنعمل كل شيء فهذا
لا يمكن؛ بل الواجب التعاون على البر والتقوى، هذا يعلم بما فتح الله
عليه، وهذا يحاضر بما فتح الله عليه، وهذا يأمر بالمعروف، وهذا ينشر كتابا
وهذا يؤلف، فلا يظلم بعضنا يعضا في ذلك؛ بل كل من بذل الخير ونشر دين الله
جل وعلا أو أعان على ذلك فإنه يشكر عليه ونرجوا أن يكون داخلا في تحقيق
هذه الخيرية وهذا الفضل العظيم.
ولهذا ندعوا الحقيقة الجميع بهذه
المناسبة ألا يخلوا أنفسهم من الخير، أن يوطنوا أنفسهم على أن يكون همهم
الدعوة إلى الله جل وعلا، وليس معنى ذلك أن تتفرغ الليل والنهار وأن تكون
كطلبة العلم المبرِّزين أو كالدعاة الذين لهم شأن؟ لا؛ لكن تحس به ليلا
ونهارا وإذا وجدت مجالا فتبذله، قد تبذله بكلمة، وقد تبدله بالإرشاد إلى
خير، قد تبذله بنشر كتاب، قد تبدله بإهداء شيء، المهم أن تفكر دائما في
بذل الخير وفي انتشار الهدى؛ لأن هذا واجب علينا جميعا وليس لنا مناص منه؛
لأن الله جل وعلا أمر بذلك، ولهذا نجد أن في سير الأنبياء ما يحرك الهمة،
كما في كتاب الله جل وعلا وفي سنة رسوله صَلَّى الله عليه وسلم ما يحرك
الهمة للدعوة إلى الله جل وعلا. خُذ مثلا:
(1/8)
--------------------------------------------------------------------------------
أول
رسل الله جل وعلا نوح عليه السلام، في سورة نوح أكثرها في دعوته -في دعوة
نوح- بلفظ الدعوة، وطريقة الدعوة، والبذل فيها، وكيف صبر، وكيف [...]،
وكيف حضهم، وكيف رغبهم، إلى آخر ما اشتملت عليه تلك السورة العظيمة، قال
جل وعلا مخبرا عن قول نوح ?ربِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً
وَنَهَارًا(5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَاءِي إِلاَّ فِرَارًا(6)وَإِنِّي
كُلَّمَا دَعَوْتُهْم لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي
آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا
اسْتِكْبَارًا(7)? هل انقطع؟ قال ?ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا(
ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ
إِسْرَارًا(9)فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ
غَفَّارًا(10)يُرْسِلُ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا?[نوح:5-11] إلى
آخر الآيات، فهذا نوح عليه السلام أول الرسل وصفه الله جل وعلا بأنه دعا
إليه، وأنه بذل الليل والنهار والجهار والسر -الجهار يعني أن يدعو الناس
في ملأ بكلمة عامة ويحض بحض عام على اختلاف أنواع الناس- أو سرا قال
العلماء معناه أن يكون بينه وبين شخص واحد إذا لقيه فإنه يدعوه ليس على
ملأ ولكن بينه وبينه، فنوع ذلك من جهة الزمان في الليل والنهار، ومن جهة
الطريقة الجهر والإسرار، ومن جهة المخاطبين أيضا، وذكر الفضل، وهذا يحرك
الهمة لمن عنده رغب في أن يكون من الدعاة إلى الله جل وعلا؛ يعني أن
الطريق ليست واحدة، وأن هذا للمرء فيه قدوة فيما يأتي وفيما يذر.
(1/9)